لربما لازال البعض منا يتذكر خيمة البعث في نهاية السبعينات ، والتي ارادها البعث الفاشي ان تكون خيمة للجميع بقوة السلاح والمال وغسل العقول ، وقد كان من شعاراتها ذلك الشعار " الجميع بعثيون وان لم ينتموا" وكان اسلوب تطبيق تلك السياسة واضحا للكثير " والذين يبدوا انهم قد نسوا" رغم ان اثار تلك السياسة وشواهدها لم تمحى بعد ، والاكثر من ذلك ان ضحايا تلك السياسة لم يجري انصافهم ولم تظهر للعلن فتوى او راي او خطبة جمعة تطالب بحقهم، بل على العكس يجري العمل على قدم وساق وربما بالاربعة من اجل اعادة منتسبي تلك الدوائر الى اعمالهم للاستفادة طبعا من خبراتهم!! وهذه الخبرات لا يختلف عليها اثنان! فمن لا يعترف يجري اغتصابه او اجباره للجلوس على القنينة ! وهي حقا خبرات تثمن عليها جهود كل من عمل للاستفادة منها!!
واليوم وبعد احداث النجف الدموية و ليس النجف وحدها بل المحافظات الجنوبية على وجه التحديد التي عاثت بها الجماعات الدينية من بقايا احفاد الطاغية وحزبه الفاشي خرابا باسم الدين وكما هو الحال في الفلوجة، وبعد ان نصبت مشانق للمواطنيين واقامت محاكمها الشرعية الاسلامية كما يقولون واعدمت المئات وفجرت العديد من انابيب النفط واستباحت حرمة الجامعات والمدارس وحرمت وحللت كما تهوى واستهدفت الناس العزل ايضا عبر احتلال منازلها لمحاربة قوات الاحتلال، وقتل ابناء الديانات الاخرى وتفجير محلاتهم ، وعمليات الاختطاف والذبح ، ياتي اتفاق النجف ليمحو لهم كل هذا ، لابل ويسمح لهم بالاحتفاظ باسلحتهم الثقيلة والخفيفة ، وهذا ما تناقلته وسائل الاعلام من الاتفاق الذي لم ينشر لحد هذا اليوم !!! وتجسد ذلك عبر اعلان زعيم العصابات الصدامية في النجف احترامه لاوامر ورغبات المرجعية الدينية في امن وقدسية النجف!!
وهكذا اصبحت عباءة الدين غطاء لتلك العصابات وما ارتكبته من جرائم بحق العراق وابناء العراق؟ وهنا تلاقت الاساليب رغم اختلاف النوايا ولكن النتيجة واحدة الا وهي التدمير، اقتصاديا اجتماعيا ، صحيا ونفسيا للناس العزل. والاخطر من ذلك انه ياتي بمباركة المرجعية الدينية التي يجب عليها ان تفي بالتزامها قول كلمة الحق؟ بل وتتناسى المرجعية وعلى اقل تقدير مطالبة زعيم العصابة بالاعتذار عما ارتكبه من جرائم بحق الناس الابرياء وبهذا دخل زعيم العصابة ورجاله الدار امنين او لنقل من دخل الخيمة فهو امن!! حيث لم تتمكن الحكومة العراقية المؤقتة بعد من احالة هؤلاء للقضاء لانها ستنتهك اتفاقا مع المرجع الديني وبهذا يكون استفزازا لمشاعر الاخرين؟
انني اعتقد اننا كعراقيين ساسة كنا او رجال دين او عامة الناس نعاني ازمة اخلاقية حادة، وهذه الازمة الاخلاقية هي الاساس وراء جميع الكوارث التي تعصف في بلدنا ، حيث اصبح النفاق سيد الموقف على المستوى السياسي وعلى المستوى الديني وعلى المستوى الاجتماعي وهذا داء اخطر فعلا من مرض جنون البقر.
ان المسؤولية الاخلاقية تعد حجر زاوية للفعل الديني والسياسي في ان واحد ، فمن اوجه تلك الازمة نجد مثلا ان المرجعية تصمت على الافعال التي تجبر الناس على اتباع اوامر رجال الدين وتصمت عن قتل الناس وتصمت عن انتهاك حرمات المنازل وتصمت عن ابداء الراي في تلك الجرائم التي ارتكبها مقتدى وجيشه ولازال ، في وقت انها في الجانب الاخر تدعو للعدالة ! فهل اصبحت بوابة العدالة كبوابة تحرير القدس تمر عبر ايران كما قالها القائد المفدى!!
وتعلن المرجعية انها لا تريد التدخل بالسياسة وانها تريد الاهتمام بالدين فقط ولكن تصمت المرجعية عن اعلان بعض الاحزاب بانها تعمل تحت امرة المرجعية؟ وهذا يعني ان المرجعية لها احزابها على الساحة؟
ونرى ان قيادات احزاب تطالب بالحل السلمي وهذا ليس بخطاء لكن تلك القيادات تصمت كما الحجر عن الانتهاكات التي يرتكبها السيد القائد مقتدى !! كما يسميه حارسه الامين الشيباني ! وبذات الوقت تتحدث ذات الالسن في تلك القيادات التي تحكم وتريد ان تحكم العراق بانها تعمل من اجل ضمان حرية الجميع واحترام الراي والراي الاخر والتاكيد على الحوار السلمي وصيانة التنوع في المجتمع العراقي!! والادهى من هذا وذاك هو مطالبة هذه القيادت لزعيم العصابات بالانظمام للعملية السياسية؟؟؟ اذن لماذا يقبع صدام بزنزانته ؟؟ لماذا لا يطلق سراحة ويدخل الخيمة امنا وبهذا يدعوا انصاره ايضا للدخول بالعملية السياسية ؟؟ وبهذا يعم الهدوء في باقي المحافظات ايضا؟؟ هل يقف وراء ذلك الموقف عقل سياسي سليم ؟ يحمل الحق والعدل ليس لنا بل لاجيال العراق القادمة؟؟
ان المطالبة بالتسامح لا يمكن ان تاتي بهذه الطريقة، ان تجارب الشعوب التي تشابه معاناتها تلك المعانة التي مررنا بها فرضت على حكوماتها تقديم من ساهموا بارتكاب المجازر والانتهاكات ضد حقوق الانساء الى القضاء العادل ليقول كلمته النهائية بهم وامام اهالي الضحايا الذين لهم الحق باسقاط حقهم بعد اعتراف الطرف الاخر بجريمته! ان التسامح لا يمر عبر اعادتهم للعمل من اجل الاستفادة من خبراتهم ؟ ولا باعلان التوبة ! والمطالبة بتقديمهم للقضاء ليس من باب الثورجيات كما يصفها البعض.
ان ما نمر به هو ازمة اخلاقية عميقة اراها هي السبب الاساس وراء كل هذا الدمار الذي عشناه ونعيشه واعتقد ان القوى الدينية والسياسية على حدا سواء مساهمة بفعالية بهذا الازمة التي تمتد جذورها عميقا في المجتمع العراقي.